كيف غيرت قرارات “ترامب” ملامح الاقتصاد والسياسات التجارية الأمريكية؟

دفعت الأيام الأولى من الإدارة الثانية للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الشركات إلى التحرك السريع لفهم بنود غامضة في قوانين تاريخية، وتعزيز دفاعاتها القانونية، ومحاولة التأقلم مع السياسات المتغيرة بشكل جذري.
أظهرت التحركات المبكرة لترامب أنه يخطط لاستخدام أدوات أوسع مما كان متوقعاً لتنفيذ أجندته، بينما يستمر في إبقاء شركائه التجاريين في حالة تخمين بشأن كيفية وتوقيت تنفيذ تهديده بفرض رسوم جمركية عقابية.
مع انتهاء أسبوع محموم بدأ بأكثر من 100 أمر وإجراء تنفيذي عقب تنصيب ترامب، يشير مستشارو الشركات الأمريكية إلى وجود فرصة للتأثير على السياسة، لكن فقط لأولئك الذين يستطيعون مجاراة الأحداث، حسب ما نقلته صحيفة “فاينانشيال تايمز” البريطانية.
صرح كريس كروجر، استراتيجي في مجموعة أبحاث واشنطن التابعة لـ”تي دي كوين”: “مدى النتائج السياسية المتوقعة ربما يكون الأعلى في التاريخ. الطرق تؤدي جميعها إلى ترامب”.
من تعزيز الوقود الأحفوري وتوسيع الرسوم الجمركية إلى ترحيل المهاجرين غير الموثقين ومهاجمة مبادرات التنوع، كانت أجندة ترامب معروفة مسبقاً، لكن بعض التفاصيل فاجأت الشركات.
على سبيل المثال، وعد ترامب بالتراجع عن صفقة الضريبة العالمية التي وُقعت عبر منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، مهدداً بمضاعفة الضرائب الأمريكية على المغتربين والشركات من البلدان التي تواصل تنفيذ الاتفاقية، مستنداً إلى جزء نادر الاستخدام من قانون الضرائب المكتوب قبل الحرب العالمية الثانية.
قال بات براون، شريك في قسم الضرائب لدى “برايس ووترهاوس كوبرز”: “من جهة، حظيت الاستجابة القوية بترحيب واسع من الشركات الأمريكية المتعددة الجنسيات التي طالما اشتكت من الصفقة. لكن الأسئلة ظهرت على الفور، مثل: ‘هل عليّ إخبار مديري التنفيذي، وهو مواطن أجنبي يعيش ويعمل هنا، أن معدل ضريبته قد يتضاعف؟’”.
وعد مستشارو ترامب بـ”إغراق الساحة” بالأوامر التنفيذية، جزئياً لإبقاء المعارضين في موقف دفاعي.
وقد قامت شركات الاستشارات والمكاتب القانونية والبنوك الاستثمارية بوضع خطط دقيقة لمراقبة الأوامر واستخلاص النقاط الهامة للعملاء.
كان قطاع الطاقة أحد أكثر القطاعات تأثراً، حيث استخدم ترامب سلطات الطوارئ لإزالة العقبات التنظيمية أمام مشاريع الوقود الأحفوري وألغى العديد من الأوامر التنفيذية لسلفه.
كما صدم ترامب صناعة الطاقة النظيفة بتوضيح كيف يمكن للسلطة التنفيذية أن تعطل التمويل الذي بدا أنه مضمون بموجب الكونجرس.
أحد الأوامر أوقف القروض المقدمة للمطورين والمصنعين بموجب قانون خفض التضخم والبنية التحتية، وأصبح الوصول إلى هذه الأموال الآن غير واضح، وقد يتشابك مع المفاوضات الأوسع في الكونجرس لإعادة صياغة القانون.
صرح ويليام أوبلينجر، المدير التنفيذي لشركة “ألكوا”، أن مصهري الألمنيوم المحليين للشركة قد يكونان مهددين إذا تم تقليص الإعفاءات الضريبية، قائلاً: “هذا الدعم سمح لتلك المنشآت بالاستمرار في العمل في ظل الظروف الحالية. سنحدد مدى استدامتها بمجرد أن تتضح التعديلات على قانون خفض التضخم وما إذا كان هناك تأثير إضافي من الرسوم الجمركية”.
تعرضت طاقة الرياح لضربة قاسية نتيجة أوامر تنفيذية جمدت الموافقات على عقود الإيجار وأطلقت مراجعة فورية لممارسات الترخيص، والتي تشمل المشاريع القائمة.
تسابق بعض الشركات إلى تعيين شركات ضغط سياسي مرتبطة بالحزب الجمهوري، على أمل أن تكون لها تأثير مباشر على الإدارة.
وتظهر الإفصاحات الفيدرالية أن مطوري الطاقة المتجددة مثل “إنيرجي ري” و”نكست إيرا” قاموا بتوظيف شركة “بولاريس جافرنمنت ريليشنز” الشهر الماضي.
أوامر ترامب المتعلقة بالطاقة تشبه خارطة طريق من خمس نقاط اقترحتها الصيف الماضي “المعهد الأمريكي للبترول”، وهو مجموعة ضغط تمثل منتجي الوقود الأحفوري.
وأوضح مايك سومرز، الرئيس التنفيذي للمعهد، أن المجموعة تعمل الآن على التأثير في تنفيذ السياسات.
قال سومرز إن “الكثير من هذه الأوامر التنفيذية تطلب من الوكالات اتخاذ إجراءات، لكن العديد من هذه الوكالات لا يوجد لديها حتى الآن وزراء معينون. ما نحاول فعله هو سد الفجوات لتمكين رؤساء الأقسام الجدد من معرفة كيفية تنفيذ رؤية الرئيس بدقة”.
رغم أن “ترامب” لم يف بوعده بفرض رسوم جديدة على الشركاء التجاريين للولايات المتحدة في “اليوم الأول”، إلا أن مذكرة تنفيذية أمرت بإجراء مراجعات لقواعد التجارة الحالية مع تحديد موعد نهائي في الأول من أبريل.
كما أشار ترامب خلال مؤتمر صحفي إلى إمكانية فرض رسوم على المكسيك وكندا والصين بحلول الأول من فبراير.
صرّح إيفان جيزمان، مستشار في شؤون الضرائب والتجارة لدى “إرنست آند يونج”، خلال ندوة عبر الإنترنت يوم الأربعاء: “مع الرئيس ترامب، لا شيء يعتبر نهائياً حتى يتم تنفيذه… لا أستطيع التأكيد بما فيه الكفاية على مدى شمولية هذه المذكرة، مما يُظهر مدى جديته بشأن إجراء تغييرات هيكلية على سياساتنا التجارية وبسرعة كبيرة”.
في بعض الأوساط، بلورت الإجراءات التنفيذية مخاوف من أن الرسوم الجمركية الجديدة، إلى جانب إمكانية ترحيل جزء من القوة العاملة الأمريكية، قد تؤدي إلى زيادة التضخم وتحد من قدرة مجلس الاحتياطي الفيدرالي على خفض أسعار الفائدة.
شكّت كارول ستريشر، رئيسة قسم الاستشارات لدى “كي بي إم جي” في الولايات المتحدة، أن هذه المخاوف كانت السبب وراء ارتفاع الاتصالات الواردة هذا الأسبوع من شركات مملوكة للأسهم الخاصة بشأن بدء عمليات البيع.
وقالت إن “الكثيرين ينتظرون عند خط البداية وكأنهم مستعدون لانطلاق الطلقة”.
وأضافت أن “النقاش الآن يدور حول ما إذا كانت هناك نافذة قصيرة تتراوح بين ثلاثة إلى ستة أشهر تظل فيها أسعار الفائدة عند مستواها الحالي، وعلينا إتمام الصفقات قبل إغلاق تلك النافذة”.
يبدو أن الإجراءات التنفيذية ستسرع من إعادة صياغة الشركات لبرامج التنوع والمساواة والشمول، فقد أمر ترامب الوكالات الحكومية بإعداد قوائم بأسماء “أكثر الممارسين انتهاكاً وتمييزاً في برامج التنوع والمساواة والشمول في كل قطاع ذي صلة” واقتراح “ما يصل إلى تسعة تحقيقات محتملة في الامتثال المدني” ضد الشركات العامة والمنظمات الأخرى.
قالت جيني يانج، المفوضة السابقة في لجنة تكافؤ فرص العمل، والتي تشغل حالياً منصب شريك في شركة الاستشارات “ووركينج آيديل”: “إنهم يضغطون على أصحاب العمل الأمريكيين للتراجع عن جهود قانونية بالكامل”.
وأضافت يانج أن العديد من الشركات قامت بمراجعة سياساتها الخاصة بالتنوع والمساواة للتأكد من أنها متماسكة قانونياً، لكن مكاتب المحاماة ترسل نشرات عاجلة للعملاء لتقديم مراجعات قانونية.
وفي يوم الجمعة، أصبحت شركة “تارجت” أحدث الشركات التي تراجعت عن التزاماتها السابقة بشأن التنوع والمساواة والشمول.
قال كروجر من شركة “تي دي كوين” إن الإجراءات التنفيذية التي شهدها هذا الأسبوع جاءت “بسرعة قياسية وبمدى غير مسبوق”، مع وجود الكثير مما يجب هضمه والعديد من الأسئلة التي لا تزال بلا إجابة، “لكن على الأقل الآن انتهى الموسم التحضيري. يمكنكم البدء في صياغة السياسات”.