إقتصاد مصر

الصين تستعيد الأمل فى تجنب «حرب ترامب» التجارية

قبل تنصيبه يوم الاثنين الماضى، كان المسئولون الصينيون يستعدون لاحتمالية أن تكون عودة دونالد ترامب إلى الرئاسة الأمريكية مصحوبة بإعلان فرض رسوم جمركية فورية تصل إلى 60% على الصادرات الصينية، ما قد يشكل ضربة قاسية لثانى أكبر اقتصاد فى العالم.

لكن الخطوات الأولى التى اتخذها ترامب بدت أقل حدة مما توقعته بكين؛ إذ أمر الرئيس الأمريكى بإجراء تحقيق فى التجارة بين الولايات المتحدة والصين، قبل أن يعيد التهديد بفرض رسوم بنسبة 10% مرتبطة بعقار الفينتانيل الأفيونى القاتل.

هذا الإعلان أثر بشكل ملحوظ على الأسواق الصينية، وانخفض مؤشر «سى إس آى 300» بنسبة 1% وتراجع مؤشر «هانج سنج» فى هونج كونج بنسبة 1.6% يوم الأربعاء، فيما تراجع اليوان الصينى فى التعاملات الخارجية بنسبة 0.25%.

رغم هذا التأثير، اعتُبر تصرف ترامب تجاه الصين أقل شدة مقارنةً بالإعلان عن رسوم بنسبة 25% على الحلفاء الأمريكيين مثل المكسيك وكندا، بحسب ما ذكرته صحيفة «فاينانشيال تايمز» البريطانية.

كما أشار إلى إمكانية إبرام صفقة أوسع تربط بين الرسوم الجمركية وملكية منصة «تيك توك» المملوكة للصين، التى يسعى بعض المسئولين الأمريكيين لإغلاقها.

رغم ميل ترامب إلى التصريحات المتقلبة والتغيرات السريعة فى نهجه، فإنَّ هذه البداية التى جاءت أكثر ليونة مما كان متوقعاً، أعادت الأمل فى بكين بإمكانية إجراء مفاوضات لتجنب حرب تجارية ثانية.

والآن، يثار التساؤل حول نوع الصفقة التى يمكن أن تكون مقبولة بالنسبة لكلا الطرفين.

وقال الأستاذ فى معهد الدراسات الدولية بجامعة فودان فى شنغهاى، تشاو مينجهاو: «ثمة احتمال أن يتمكن الطرفان من التوصل إلى اتفاق، ويمكن أن تشعر بالتفاؤل الحذر، لكننا بحاجة إلى أن نرى ما إذا كان هناك توافق جيد بين ما يمكن أن يقدمه ترامب وبكين لبعضهما البعض».

وأجرى ترامب والرئيس الصينى شى جين بينج مكالمة هاتفية فى عطلة نهاية الأسبوع التى سبقت تنصيبه، وهى الأولى بينهما منذ أربع سنوات، ووصف الرئيس الأمريكى المكالمة بأنها «جيدة جداً»، وأشار إلى أنها تناولت قضايا مثل «التجارة والفنتانيل وتيك توك والعديد من المواضيع الأخرى».

خلال حملته الانتخابية، تعهد ترامب بفرض رسوم جمركية بنسبة 60% على الصين فور توليه المنصب، ثم هدد بزيادة إضافية بنسبة 10% فى اليوم الأول لدفع بكين للحد من تدفق المواد الأولية المستخدمة فى إنتاج الفنتانيل.

لكن بدلاً من ذلك، أصدر ترامب يوم الاثنين مذكرة توجه المسئولين لإجراء تحقيق فى العجز التجارى الأمريكى و«تقديم توصيات بشأن التدابير المناسبة، مثل فرض رسوم إضافية عالمياً أو سياسات أخرى، لمعالجة هذا العجز».

كما طلب من الممثل التجارى للولايات المتحدة دراسة التزام بكين باتفاقية «المرحلة الأولى» التى تم التوصل إليها خلال فترة رئاسته الأولى، والنظر فى فرض رسوم إضافية «لا سيما فيما يتعلق بسلاسل التوريد الصناعية والتحايل عبر الدول الثالثة»، وهى خطوة قد تكون لها تداعيات بعيدة المدى على الصين.

يعتقد الاقتصاديون أن جزءاً من التجارة بين الصين والولايات المتحدة، تم تحويله عبر دول ثالثة لتجنب الرسوم الجمركية منذ الحرب التجارية التى اندلعت خلال الإدارة الأولى لترامب.

ومن المقرر أن يقدم المسئولون الأمريكيون تقريرهم عن هذه النتائج بحلول الأول من أبريل.

ورغم أن ترامب وقع أمراً يسمح لـ«تيك توك» بمواصلة العمل لمدة 75 يوماً، فى تراجع عن موقفه خلال ولايته الأولى، إذ سعى لحظر المنصة فى الولايات المتحدة، فإنه صرّح أيضاً بأن على بكين السماح لكيان أمريكى بامتلاك نصف الشركة أو مواجهة رسوم جمركية قد تصل إلى 100%.

وجاء ربط الرسوم الجمركية بملكية «تيك توك» بعد تصريحات مثيرة للجدل أدلى بها إيلون ماسك يوم الإثنين، واشتكى أن «تيك توك» مسموح له بالعمل فى الولايات المتحدة، فى حين أن منصته للتواصل الاجتماعى «إكس» محظورة فى الصين.

وقال شخص مطلع على الأمر فى الصين إن بكين قد توافق على بيع مالك «تيك توك»، شركة «بايت دانس»، للمنصة كجزء من صفقة أوسع تشمل مجموعة من القضايا، بما فى ذلك التجارة، لكن هذه المناقشات لا تزال فى مراحلها المبكرة.

ورغم أن المسئولين الصينيين كانوا يعارضون منذ فترة طويلة البيع القسرى لـ«تيك توك» والذى يتطلب موافقتهم، فإنهم أظهروا فى الأيام الأخيرة إشارات تدل على نهج أكثر مرونة.

وقالت وزارة الخارجية الصينية مؤخراً: «فيما يتعلق بإجراءات مثل تشغيل الشركات أو استحواذها، نعتقد أنه يجب أن تقرر بشكل مستقل من قبل الشركات وفقاً لمبادئ السوق»، مضيفةً أن «القوانين واللوائح الصينية يجب أن تُحترم».

وكتب المدير العام فى شركة الاستشارات «تينيو»، جابرييل وايلدو، فى مذكرة تحليلية أن القادة الصينيين قد «يرون أن التوصل إلى حل ودى لقضية تيك توك يمكن أن يمهد الطريق للتعاون» بشأن قضايا أخرى.

وأضاف أن «ذلك قد يشمل الرسوم الجمركية وضوابط التصدير، وفى سيناريو مثالى بالنسبة لبكين، حتى السياسة الأمريكية تجاه تايوان وبحر الصين الجنوبى».

ومع ذلك، حذر الاقتصاديون من أنه من المبكر جداً التأكد من إمكانية تجنب الصراع التجارى.

ورغم أن ترامب بدا أكثر انفتاحاً على إبرام الصفقات، فإن إدارته كانت مليئة بالشخصيات المتشددة تجاه الصين، حسب قولهم.

وقال كبير الاقتصاديين لمنطقة آسيا فى بنك «إتش إس بى سي»، فريد نيومان: «هذا أشبه بوضع مؤقت.. فى الوقت الحالى، من المشجع إلى حد ما أننا لم نشهد زيادة فورية فى الرسوم الجمركية، وربما هناك بعض المجال للنقاشات مسبقاً. لكننى أعتقد أنه سيكون استنتاجاً خاطئاً القول بأن الصين قد خرجت تماماً من دائرة الخطر».

إلى جانب التجارة، قد تعرض بكين على ترامب المساعدة فى قضايا أخرى، مثل حل الحرب فى أوكرانيا، وفقاً لما قاله وانج تشونج، خبير السياسة الخارجية فى جامعة الدراسات الدولية فى تشيجيانج.

ومع ذلك، حذر وانج من أن بكين مستعدة لاحتمال انهيار العلاقات.

وحتى لو بدأت الولايات المتحدة بزيادات صغيرة فى الرسوم الجمركية، فإن ذلك سيقوض ثقة المستثمرين فى الصين.

وأضاف وانج: «إذا تم فرض رسوم جمركية، يجب على الصين أن تقاتل».

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى