إقتصاد مصر

“الشقق المغلقة”.. المعادلة الصعبة في ملف الإسكان

تستهدف الحكومة إيجاد حلول لمشكلة الشقق المغلقة، التي تُعد واحدة من القضايا العقارية المعقدة، نظراً لارتباطها بعدة تحديات أبرزها الإيجار القديم، وهو ما يجعلها ملفاً شائكاً يمس شريحة واسعة من المواطنين.

وتوقّع المهندس طارق شكري، رئيس غرفة صناعة التطوير العقاري باتحاد الصناعات وكيل لجنة الإسكان بمجلس النواب، أن تشهد الفترة المقبلة خطوات جذرية لمعالجة أزمة الشقق المغلقة، مؤكداً أن الحكومة تعمل على وضع استراتيجية شاملة لإنهاء هذه الأزمة، في ظل تزايد الطلب على الوحدات السكنية وتوجه شريحة كبيرة من المواطنين نحو الاستثمار العقاري.

أضاف أن غالبية الوحدات المغلقة يملكها مصريون يعملون في الخارج، مشيراً إلى أن الحكومة تدرس آليات لتقنين تأجير هذه الشقق من خلال الاستعانة بشركات متخصصة .

وشدد شكري، على ضرورة وضع آلية دقيقة لحصر عدد الشقق المغلقة على مستوى الجمهورية، بهدف تحديد احتياجات السوق العقاري، بما يُسهم في دعم خطط الدولة وتوجيه الأولويات الاقتصادية للمشروعات السكنية.

الفيومي: لدينا 2.4 مليون وحدة مغلقة منها 400 ألف “إيجار قديم”

وأكد النائب محمد عطية الفيومي رئيس لجنة الإسكان بمجلس النواب، أن أزمة الشقق المغلقة تمثل جانباً من التحديات الكبرى التي يواجهها السوق العقاري، إلى جانب أزمة الإيجار القديم، مشيراً إلى أن كلا الملفين يحتلان صدارة أولويات الأجندة التشريعية للجنة الإسكان خلال الفترة الحالية.

وأوضح أن المهندس شريف الشربيني وزير الإسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية، تعهّد بإيجاد حلول جذرية لأزمة الشقق المغلقة قبل انتهاء الدورة البرلمانية الحالية، إلى جانب معالجة الإيجار القديم، الذي يُعد من أكثر الملفات حساسية لارتباطه بشريحة كبيرة من المواطنين.

وأشار الفيومي إلى بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، التي تفيد بوجود نحو 2.4 مليون شقة مغلقة على مستوى الجمهورية، من بينها نحو 400 ألف وحدة تخضع لقانون الإيجار القديم، مضيفاً أن بعض المستأجرين يغلقون تلك الشقق ويتجهون للإقامة في المدن الجديدة، نظراً لانخفاض قيمة الإيجار التي لا تتجاوز 10 جنيهات، وهو ما يجعلهم يحتفظون بها دون أي تكلفة حقيقية.

وأوضح أن حل أزمة الشقق المغلقة، لا سيما تلك الخاضعة لقانون الإيجار القديم، من شأنه أن يُحدث انفراجة كبيرة في سوق الإسكان، موضحاً أن 400 ألف وحدة سكنية تُعادل ما يتم إنشاؤه في غضون 3 ـ 4 سنوات، في حين أن إتاحتها مجدداً للسوق لن يتطلب استثمارات ضخمة من الدولة.

ولفت إلى أن معالجة هذا الملف ستُسهم أيضاً في الحد من الارتفاعات غير المبررة في أسعار العقارات، وتجنب حدوث “فقاعة عقارية” يمكن أن تُرهق السوق المصري في المرحلة المقبلة.

أشار رئيس لجنة الإسكان ، إلى أن استقرار الأوضاع في بعض الدول العربية مثل سوريا والسودان سيُسهم في تقليص الضغط على سوق الإسكان المحلي، نظراً لعودة نسبة من الشقق إلى حيازة المواطنين.

ودعا الفيومي إلى فرض رسوم أو ضرائب على الشقق التي تظل مغلقة لفترات طويلة، بهدف تحفيز الملاك على إعادة ضخ هذه الوحدات في السوق، بما يُعزز حجم المعروض ويُخفف حدة أزمة السكن.

القاضي: الحل في التحفيز وليس الإجبار باعتبارها أوعية استثمارية 

وأكد الدكتور محمد مصطفى القاضي، عضو جمعية رجال الأعمال المصريين وخبير التنمية العمرانية، على ضرورة الإسراع في إيجاد حلول جذرية لأزمة الشقق المغلقة، مشيراً إلى أنها تمثل عرضاً لمجموعة من المشكلات الهيكلية المتجذرة في السوق العقاري المصري.

وأوضح أن أزمة الشقق المغلقة تعود جذورها إلى عام 1984، إذ بلغ عدد الوحدات المغلقة حينها نحو 200 ألف وحدة، رغم انتشار أزمة السكن في تلك الفترة، واستمر الرقم في الارتفاع حتى وصل إلى مليون وحدة مغلقة بحلول عام 1986.

أشار القاضي إلى أن مشكلة الإيجار القديم تُعد جزءاً من هذه الأزمة، موضحاً أن الإيجار القديم يمثل نحو 7% من السوق العقاري المصري، ومعظم هذه الوحدات لا تزال مأهولة بالسكان.

وشدد خبير التنمية العمرانية على أهمية عدم التعامل مع الشقق المغلقة باعتبارها كتلة واحدة، بل تقسيمها إلى فئات مختلفة، مثل الشقق الساحلية التي تُقدّر بنحو 1.8 مليون وحدة تُستخدم كمنازل ثانية لأصحابها، بينما تمثل باقي الشقق رقماً كبيراً يمكن أن يسهم في حل أزمة الإسكان حال إعادة استخدامها بفعالية.

أضاف أن كثيرا من الشقق المغلقة تُستخدم كأوعية استثمارية ووسيلة للحفاظ على قيمة الأموال أو للاستثمار طويل الأجل، مقدّراً قيمة تلك الشقق بتريليونات الجنيهات، وهي تمثل طاقة سكنية هائلة يمكن أن توفر سكناً آدمياً للشباب بأسعار مناسبة.

أشار القاضي إلى أن الحل لأزمة الشقق المغلقة لن يتحقق بين عشية وضحاها، محذراً من اتخاذ قرارات إجبارية قد تخل بتوازن السوق العقاري. فالمالك غالباً ما يحتفظ بعقاره لأغراض استثمارية، وبالتالي فإن الحل الأنسب يكمن في تحفيزه لطرح وحدته في السوق.

واقترح القاضي فتح المجال أمام صناديق الاستثمار العقاري، والتي تشتري عقارات مملوكة لمجموعة من الأفراد بغرض تأجيرها وتوزيع العائد عليهم، معتبراً أن هذه الصناديق تمثل آلية فعّالة لتحريك السوق العقاري والمساهمة في حل أزمة الشقق المغلقة.

كما دعا إلى دعم التطبيقات الإلكترونية والشركات المتخصصة في إدارة العقارات، بالإضافة إلى التوسع في نماذج التأجير المنتهي بالتملك، وهي حلول من شأنها تسهيل عملية تدوير العقار وتسييله.

ولفت القاضي إلى أن طرح عدد من الوحدات المغلقة في السوق بشكل تدريجي سيسهم في خفض أسعار العقارات بشكل طفيف دون أن يؤدي إلى انهيار السوق، مشيراً إلى أن السوق العقاري المصري يشهد سنوياً ما يقرب من مليون عقد زواج، ما يعكس ارتفاع الطلب وقدرته على امتصاص المعروض.

وأكد أن إنتاج الوحدات السكنية لا يتم توزيعه بشكل متوازن على احتياجات جميع الشرائح، موضحاً أن الأسعار الحالية للوحدات الجديدة تبدأ من نحو 5 ملايين جنيه، ما يجعلها بعيدة عن متناول غالبية المواطنين، وهو ما يجعل خيار الإيجار أكثر واقعية للفئات ذات الدخل المحدود.

وأشاد القاضي بجهود الدولة في طرح وحدات للإيجار ضمن المشروعات الحكومية، مشيراً إلى أنها تُشجع المواطنين على اللجوء لهذا النموذج السكني.

وفيما يتعلق بتأثير وفود الأشقاء السودانيين على سوق الإيجارات، أوضح القاضي أن الارتفاع الأخير في الأسعار لا يُعزى فقط إلى هذا العامل، بل يرتبط بمعادلة السوق بين أسعار العقارات وإيجاراتها، مؤكداً أن هذا الوضع سبق أن تكرر مع وفود السوريين عام 2011، مشيراً إلى أن وجود هؤلاء الوافدين يُعد مكسباً للسوق العقاري من خلال إعادة تشغيل الوحدات المغلقة وضخ عملة صعبة في الاقتصاد المصري.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى