الإنفاق الرأسمالي تحت المجهر: هل تستثمر الشركات للنمو أم للبقاء؟

لجأت العديد من الشركات العالمية إلي مراجعة خططها للإنفاق الرأسمالي لمواجهة التحديات الاقتصادية المتصاعدة، تجد العديد من الشركات نفسها مجبرة على مراجعة خططها للإنفق الرأسمالي بعناية. وتتساءل: كيف تُنفق أموالها؟ وما هو الاستخدام الأمثل لأرباح الشركات؟
بحسب تقرير نشرته صحيفة “فاينانشيال تايمز”، يواجه عدد متزايد من الشركات ضرورة إنفاق مبالغ طائلة فقط للحفاظ على كفاءتها التشغيلية دون تحقيق مكاسب ملموسة، في ما يشبه مجازاً “منع إطارات النوافذ من التعفن”… فيمل لجأت
بعض الشركات لتطلب دعماً حكومياً، كما هو الحال في المملكة المتحدة حيث تصدرت شركات الصلب والمياه المشهد بإشارات إفلاس.
وفي ألمانيا، تحذر شركات التصنيع المتوسطة من خطر الإغلاق في ظل التكاليف الباهظة للطاقة والعمالة، بينما تواجه شركات التكنولوجيا الفرنسية معوقات مماثلة.
ومع ذلك، فإن الحكم على جدوى هذه الاستثمارات ليس أمراً سهلاً.
فالمستثمرون على المدى الطويل مضطرون إلى تقييم دقيق للخطط الرأسمالية للشركات، خصوصاً في ظل الطفرة الضخمة في الاستثمارات التي تقودها شركات التكنولوجيا الأمريكية العملاقة، والتي تضخ مئات المليارات في تطوير بنى تحتية مخصصة للذكاء الاصطناعي والذي يجد ترحيبا من المستثمرين بأعتباره استثمار مستقبلي ، خصوصاً عندما يكون مدفوعاً برغبة في تحسين المنتجات وزيادة الإنتاج.
بجانب أن هذا الاستثمار الرأسمالي لا يخضع للضرائب على عكس توزيعات الأرباح، ما يعزز من فرص نموها داخل الشركة دون استقطاع ضريبي.
لكن المشكلة تكمن في التفرقة بين ما يُنفق لأغراض توسعية حقيقية، وبين ما يُستخدم للحفاظ على الوضع القائم.
في العديد من الصناعات التقليدية، يتم إهلاك الأصول الإنتاجية تدريجياً، وهذا يؤثر بدوره على الأرباح.
لكن بعد موجة التضخم بين 2022 و2024، لم تعد هذه الأرقام تعكس التكاليف الحقيقية للاستبدال، ما يجعل الأرباح المعلنة مضخمة بصورة مبالغ فيها بسبب تدني أرقام الاستهلاك.
والأخطر أن بعض ما يُسوق كاستثمار للنمو لا يُعدو كونه استجابة للبقاء في المنافسة.
فعندما تتجه جميع الشركات لاعتماد حلول ذكاء اصطناعي لتحسين إدارة المخزون، تبقى البيئة التنافسية كما هي، دون تحسن في هوامش الربحية.
ومن التجربة، فإن كثيراً من فرق الإدارة تبالغ في تقدير أثر إنفاقها الرأسمالي على النمو، سواء في القطاعات الصناعية أو شركات التكنولوجيا. فرغم قلة الأصول الملموسة في هذه الأخيرة، إلا أن التحديث المستمر للبرامج والمحتوى يبقى ضرورة للحفاظ على الجمهور… في المقابل
أدت الرسوم الجمركية التي يفرضها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، زيادة الأمور تعقيداً، حيث جعلت قرارات الإنفاق أقل جاذبية للمساهمين.
وتجد الشركات الأمريكية نفسها مضطرة لإعادة التصنيع محلياً، ما يرفع تكاليف التشغيل ويقلّص من عوائد رأس المال، نظراً لارتفاع تكاليف البناء والتشغيل محلياً، إلى جانب تكرار غير ضروري للجهود، وهو ما سينعكس سلباً على تقييمات الأسهم.
وفي قطاع التكنولوجيا، لا يختلف الوضع كثيراً، حيث تراجعت أيضاً العوائد على الاستثمار الرأسمالي.
فعلى سبيل المثال، اعتادت “مايكروسوفت” و”أمازون” على إهلاك معدات مراكز البيانات خلال أربع سنوات.
وفي خطوة محاسبية مثيرة للجدل، قررت “مايكروسوفت” عام 2022 مد فترة إهلاك مراكز البيانات إلى ست سنوات، ما زاد أرباحها المعلنة بنحو مليار دولار.
أما “أمازون”، فاتخذت نهجاً أكثر تحفظاً عام 2025 وخفضت الإهلاك إلى خمس سنوات، ما أدى إلى تراجع أرباحها بنحو 700 مليون دولار.
ويبدو أن بعض المحللين الذين مدحوا أرباح “مايكروسوفت” مؤخراً لم يتنبهوا إلى هذا التغير المحاسبي فالشركة .
تتحول تدريجياً من شركة برمجيات ذات عائد مرتفع على رأس المال، إلى شركة تعتمد على معالجة البيانات بعوائد أقل، ما يعني عوائد أقل على رأس المال مقارنة بما تحققه “ويندوز” و”أوفيس”، على الرغم من احتفاظها بمرونة نسبية في مواجهة التحديات.
وهو ما، يتعين على المستثمرين أن يُدققوا في أرقام الإنفاق الرأسمالي وألا يفترضوا أنها مدرجة بالكامل في توقعات الأرباح.
كما عليهم الحذر من المبالغات الإدارية حول جدوى هذه الاستثمارات، لأن ما تنفقه الشركات اليوم هو من الأرباح التي كان يمكن توزيعها كعائدات نقدية للمساهمين، الذين قد يكون لديهم هم أيضاً احتياجاتهم الاستثمارية الخاصة.