إقتصاد مصر

أمريكا والصين .. صراع “مؤجل الحسم” في أفريقيا

الشركات والبنوك الصينية الحكومية تسيطر على 80% من إنتاج الكوبالت في الكونغو

في مقابلة حديثة مع مذيع شبكة “فوكس نيوز” بريت باير، سُئل رئيس جمهورية الكونغو الديمقراطية، فيليكس تشيسيكيدي، عن كيفية موازنة حكومته بين الحفاظ على العلاقات مع الولايات المتحدة، بما في ذلك التفاوض بشأن اتفاق يتعلق بالمعادن الاستراتيجية، وبين تعميق علاقاتها مع الصين.

وقد أجاب تشيسيكيدي بأن نفوذ الصين لا يتوسع في أفريقيا بقدر ما يتراجع نفوذ الولايات المتحدة.

تشيسيكيدي محق في هذا الطرح.

ففي عام 2000، كانت الولايات المتحدة الشريك التجاري الأكبر لأفريقيا؛ أما اليوم، فإن إجمالي التجارة بين الصين وأفريقيا يفوق أربعة أضعاف حجم التجارة مع الولايات المتحدة.

وقد عُقدت قمتان بين قادة الولايات المتحدة وأفريقيا، في عامي 2014 و2022، دون تحديد موعد لقمة ثالثة حتى الآن، رغم إقرار الكونجرس لقانون أواخر العام الماضي يُلزم الرئيس دونالد ترامب بعقد قمة هذا العام وكل عامين بعدها.

في المقابل، تستعد الصين لعقد قمتها العاشرة مع القادة الأفارقة ضمن “منتدى التعاون الصيني الأفريقي” في عام 2027.

ووفقاً لاستطلاع رأي أجرته مؤسسة “جالوب” العام الماضي، فقد تجاوزت نسبة التأييد للصين في أفريقيا (58%) مثيلتها للولايات المتحدة (56%)، وذلك لأول مرة.

وخلال المقابلة، أوضح تشيسيكيدي، أن بلاده ستكون “سعيدة جداً” برؤية تجدد الحضور التجاري الأمريكي هناك.

غير أن السياسات التجارية التي ينتهجها ترامب قد تأتي بنتائج عكسية، حسب ما نقله موقع “بروجكت سنديكيت”، كما أن التقارير المستمرة عن نية إدارته تقليص عدد السفارات والقنصليات الأمريكية في أفريقيا ستضيف إلى هذا التراجع في النفوذ.

على مدى الـ25 عاماً الماضية، شكل قانون النمو والفرص في أفريقيا حجر الزاوية في العلاقات التجارية بين الولايات المتحدة وأفريقيا، وهو اتفاق غير متبادل يسمح بدخول أكثر من 6000 منتج أفريقي إلى السوق الأمريكية من دون رسوم جمركية أو حصص.

وخلال الفترة بين عامي 2001 و2022، صدّرت الدول الأعضاء في هذا الاتفاق بضائع غير نفطية تزيد قيمتها عن 100 مليار دولار إلى الولايات المتحدة.

ورغم أن الاتفاق كان من طرف واحد، إلا أن الشركات الأمريكية مثل “ليفايس” و”جاب” و”وولمارت” استفادت منه، وكذلك المستهلك.

وقد صُمّم هذا القانون لمساعدة أفريقيا على تحويل قاعدتها الصناعية، وبالتالي تحويل العلاقة مع الولايات المتحدة من المساعدات إلى التجارة، وهو هدف يُفترض أن تدعمه إدارة ترامب التي خفّضت برامج المساعدات الخارجية.

وكانت المشاركة في الاتفاق مشروطة بالتزام الحكومات الأفريقية بالتعددية السياسية، والحوكمة الرشيدة، والتحرير الاقتصادي.

كما أظهرت الدراسات أن التجارة مع الولايات المتحدة تعزز من الإنتاج ذي القيمة المضافة، وإنتاجية العمل، والطلب على العمالة في أفريقيا.

لكن مطلع الشهر الماضي، فرض ترامب تعريفات “متبادلة” على العديد من الدول الأفريقية، بما في ذلك بعض من أبرز المشاركين في الاتفاق، مثل ليسوتو (50%)، ومدغشقر (47%)، وموريشيوس (40%).

وفي المقابل، تم منح الدول الأفريقية الـ17 غير المؤهلة للاستفادة من الاتفاق، وغالبيتها تُستبعد بسبب ضعف الحوكمة، تعريفات أقل بكثير، مما يُعد بمثابة مكافأة غير مباشرة.

سرعان ما علق ترامب معظم هذه التعريفات، وفتح نافذة لمدة 90 يوماً لإبرام اتفاقات تجارية جديدة.

وقد بدأ في تحقيق جزء من هدفه، حيث تسارع الدول المستفيدة من قانون النمو والفرص في أفريقيا للحفاظ على امتياز الوصول التفضيلي إلى السوق الأمريكية.

فعلى سبيل المثال، منحت ليسوتو شركة “ستارلينك” التابعة لحليف ترامب، إيلون ماسك، ترخيصاً لمدة عشر سنوات لتشغيل شبكتها في البلاد.

رغم ذلك، من غير المرجح أن تحقق هذه التعريفات نتائج سريعة لصالح الولايات المتحدة.

فقد اتفق وزراء التجارة الأفارقة بالفعل على تسريع تنفيذ سياسات تشجع التجارة داخل القارة، وتنويع الصادرات لتقليل الاعتماد على أسواق محددة.

وإذا أُضيف إلى ذلك إغلاق الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، وهيئة تحدي الألفية وصوت أمريكا، فضلاً عن انتهاء برنامج “خطة الرئيس الطارئة للإغاثة من الإيدز”، فإن الحضور الأمريكي في أفريقيا يتقلص بسرعة.

ومع ذلك، لا تزال هناك فرصة أمام أفريقيا للاستفادة من مصالح الإدارة الأمريكية بما يحقق مكاسب للطرفين. إذ تُعد الأولوية القصوى لدى ترامب في أفريقيا هي ضمان الوصول إلى المعادن الاستراتيجية.

وهذا ما يجعل دولاً مثل الكونغو الديمقراطية، التي تضم أغنى رواسب النحاس في العالم وأربعاً من أكبر خمس مناجم للكوبالت، إلى جانب الغابون وزامبيا وجنوب أفريقيا وحتى تشاد، دولاً ذات أهمية استراتيجية.

وتُجري الولايات المتحدة بالفعل محادثات حول اتفاق للمعادن مع الكونغو ودول أخرى.

لكن المشكلة أن الصين سبقت الولايات المتحدة بمسافة بعيدة في هذا المجال، فالشركات والبنوك الصينية الحكومية تسيطر على 80% من إنتاج الكوبالت في الكونغو، بينما يتم تكرير ما بين 60% و90% من الكوبالت العالمي في الصين، في حين لا تنتج الولايات المتحدة سوى أقل من %1 من هذا المعدن الحيوي.

وقد دفع هذا الخلل إدارة الرئيس الأمريكي السابق جو بايدن إلى تطوير مبادرة “ممر لوبيتو”، التي تهدف إلى توسيع خط السكك الحديدية البالغ طوله 800 ميل والممتد من ميناء لوبيتو في أنغولا على ساحل أفريقيا الأطلسي، عبر المناطق الغنية بالمعادن في الكونغو، وصولاً إلى زامبيا.

وقد أبدت إدارة ترامب دعمها لهذه المبادرة، التي تهدف إلى تحديث البنية التحتية الأفريقية عبر شراكات تجمع بين الولايات المتحدة والحكومات الأفريقية، والهيئات التمويلية التي يقودها أفارقة مثل “مؤسسة تمويل أفريقيا”، بالإضافة إلى الاتحاد الأوروبي.

لكن على الدول الأفريقية أن تبذل جهداً أكبر لضمان أن تُسهم أي اتفاقية للمعادن الاستراتيجية في تحفيز اقتصاداتها فعلياً، خصوصاً من خلال الإصرار على أن تتم بعض عمليات التصنيع ذات القيمة المضافة داخل القارة.

ولتكملة مسار الوصول إلى المعادن الأفريقية، ينبغي على الولايات المتحدة الالتزام بتكرير هذه المعادن وتصنيعها داخل القارة، مثل تحويل الكوبالت إلى مواد أولية لصناعة البطاريات قبل التصدير.

وبما أن الشركات الصينية لا تُبدي اهتماماً بذلك، فإن هذا النهج سيُعزز مكانة الولايات المتحدة كشريك أكثر فائدة، ويضمن لها وصولاً طويل الأمد إلى هذه الموارد الحيوية.

ونظراً لامتلاك أفريقيا لكل المعادن اللازمة للإنتاج، والموزعة عبر أكثر من عشر دول في وسط وجنوب القارة، فإن تطوير قدرات المعالجة المحلية يتماشى أيضاً مع أهداف “منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية”.

تسعى كل من أفريقيا والولايات المتحدة إلى تعزيز قطاعاتها الصناعية، لكن هذا لا يعني بالضرورة أن مصالح الطرفين متعارضة.

بل على العكس، يمكن للولايات المتحدة من خلال الاتفاق على دعم القدرات الصناعية في أفريقيا، أن تضمن وصولاً أفضل إلى الموارد التي تحتاجها صناعتها، وتعيد إحياء تأثيرها التجاري في القارة، وتُسهم في إنعاش التجارة المتبادلة والمتوازنة، ومن شأن ذلك أن يُفضي إلى موازنة الحسابات الجارية، تماماً كما يطمح ترامب.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى