إقتصاد مصر

الرهان على انهيار اقتصاد البرازيل ..”خطأ كبير”

يصعب الحديث عن البرازيل دون الإشارة إلى إمكاناتها الهائلة. فهي دولة تفوق الهند مساحةً بأكثر من الضعف، وتُعد قوةً في مجالات الطاقة والتعدين والزراعة. كما تتميز بسكانها شديدي الارتباط بالإنترنت، وطبقتها المتوسطة المتعلمة، ونظامها المالي المتطور.

وكما تشير أغنية كلاسيكية للمغني جورجي بن جور، فإنها “دولة استوائية مباركة من الله وجميلة بطبيعتها”.

ورغم هذه المقومات، فإن ثقة المستثمرين في البرازيل لا تزال ضعيفة للغاية.

فقد أدت السياسات المالية غير المستدامة في عهد الرئيس لويس إيناسيو لولا دا سيلفا ، إلى مستويات تقييم مهينة بحلول نهاية العام الماضي.

لكن المراهنة على انهيار الهيكل الاجتماعي والاقتصادي للدولة يُعد خطأً فادحاً.

فمع وجود أعلى أسعار فائدة حقيقية في العالم، وعملة ضعيفة، وأسواق أسهم تتداول بالقرب من مستويات عام 2008، تُقدم البرازيل فرصة مغرية من حيث القيمة أمام المستثمرين الدوليين.

وقد أشارت صحيفة “فاينانشيال تايمز” البريطانية إلى أن وجود بعض المؤشرات على تحسن اقتصادي يمكن البناء عليها.

فقد بلغ نمو الناتج المحلي الإجمالي نسبة 3.4% عام 2024، وهو الأقوى منذ 2011، باستثناء التعافي من جائحة كورونا.

كما انخفض معدل البطالة من 15% إلى 6.2%، وهو أدنى مستوى منذ عام 2015.

لكن من المتوقع أن يتراجع النمو إلى نحو 2% هذا العام.

وقد دأبت حكومة دا سيلفا، على تقويض التزامها بالمسؤولية المالية.

ومن بين الإجراءات الأخيرة، مشروع قانون يرفع الحد المعفي من ضريبة الدخل إلى 5000 ريال برازيلي شهرياً (ما يعادل 850 دولاراً)، ما سيؤدي إلى إعفاء ما لا يقل عن 56% من القوى العاملة في البلاد من دفع الضرائب.

وقدمت الحكومة مقترحاً لتعويض هذه الخسائر بفرض ضرائب على أعلى 0.1% من الأثرياء، لكن هذا الإجراء لم ينجح في تهدئة مخاوف المستثمرين، خاصةً مع عدم ضمان تمريره.

كما أن الإجراءات شبه المالية – مثل تمديد الائتمان المرتبط بالأجور– قد تخفي عجزاً أعمق.

وقد أدى هذا التراخي المالي إلى هروب رؤوس الأموال.

وأسهم ضعف العملة في ارتفاع معدلات التضخم، ما دفع البنك المركزي إلى رفع أسعار الفائدة إلى 14.25%، أي ما يعادل 10% بالقيمة الحقيقية، وهو الأعلى بين الأسواق الناشئة، وقد تفاقم هذا الضغط على المالية العامة.

وتُشكل كلفة خدمة الدين الجزء الأكبر من عجز الميزانية، الذي يبلغ حالياً 8.5% من الناتج المحلي الإجمالي.

وتصل نسبة الدين الصافي إلى الناتج المحلي الإجمالي إلى 61.4%، بينما يقترب الدين الإجمالي من 76%.

ورغم أن الانتخابات لن تُجرى قبل أكتوبر 2026، فإنها تحظى باهتمام واسع من المستثمرين.

فقد تراجعت نسبة تأييد لولا دا سيلفا ، مؤخراً ، إلى مستويات تاريخية بلغت 24%، ويلقي الناخبون باللوم على سياساته الاقتصادية في تراجع قدرتهم الشرائية، ويخشون من احتمال فرض ضرائب جديدة مستقبلاً.

وتشبه هذه الخلفية الوضع في الولايات المتحدة، إذ خسر “الديمقراطيون” الانتخابات العام الماضي جزئياً بسبب مخاوف من ارتفاع كلفة المعيشة، لكن أوجه الشبه تتوقف هنا.

فبينما تجاوز الرئيس دونالد ترامب عدة قضايا قانونية وأُعيد انتخابه رئيساً للولايات المتحدة، فإن جايير بولسونارو غير مؤهل للترشح، ويُرجح أن يقضي فترة عقوبة بسبب دوره في محاولة انقلاب للبقاء في السلطة.

وقد تتوحد المعارضة حول ترسيسيو دي فريتاس، حاكم ولاية ساو باولو الحالي ووزير البنية التحتية السابق، الذي لم يُتهم في قضايا الفساد التي طالت بولسونارو.

ويُعد فريتاس تكنوقراطياً ومهندساً سابقاً، وقد أشرف على تنفيذ عدة مشاريع للبنية التحتية، وخصخصة شركة الكهرباء “إليتروبراس”.

كما قاد الموافقة على أطر قانونية صديقة للسوق في مجالات الغاز الطبيعي والسكك الحديدية والنقل البحري الساحلي.

ويحظى بتأييد شعبي مرتفع، كما أن معدلات رفضه هي الأدنى بين المرشحين المحتملين.

وإذا ما أصبح فريتاس مرشح المعارضة وفاز في انتخابات 2026، فقد يؤدي ذلك إلى صدمة إيجابية في ثقة المستثمرين، تُعزز من قيمة العملة وتُخفّض التوقعات التضخمية، مما يفتح المجال أمام خفض أسعار الفائدة وبالتالي تقليل كلفة الفائدة.

ونظراً لأن العجز الأولي صغير نسبياً، فإن خفض الفائدة سيساعد في استعادة استدامة الدين.

وكان الرئيسان السابقان فرناندو إنريكي كاردوسو وميشال تامر ، قد تمكنا من تحقيق إصلاحات مالية رغم نمو الناتج المحلي الإجمالي بشكل ضعيف.

وتشير الإصلاحات الهيكلية الأخيرة التي نفذها لولا دا سيلفا، إلى أن الاقتصاد قادر حالياً على النمو بنسبة تتراوح بين 2.5% و3.5%، مما يجعل توجيه البلاد نحو استدامة الدين أسهل.

وتحتاج البرازيل إلى التوسع في الإنشاءات.

فمنذ تسعينيات القرن الماضي، ظل الاستثمار الرأسمالي إلى الناتج المحلي الإجمالي دون مستوى 20%.

وعلى الحكومة القادمة– أيّاً كانت– أن تجد مصادر مالية للاستثمار في البنية التحتية عبر إعلان خطة مالية موثوقة على مدار أربع سنوات تتضمن تجميد التوظيف في القطاع العام، والحفاظ على برامج الرعاية دون نمو أعلى من الناتج المحلي الإجمالي الاسمي.

وبعد ذلك يمكنها أن تقود نهضة في البنية التحتية البرازيلية تستقطب المزيد من الاستثمارات من القطاع الخاص.

وإذا تجاوزت نسبة الاستثمار الرأسمالي إلى الناتج المحلي الإجمالي مستوى 20% مجدداً ضمن ميزانية موثوقة، فإن البرازيل ستكون على المسار الصحيح مجدداً.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى