هل تحقق مصر المعادلة الصعبة؟.. استثمارات أجنبية قياسية تُنعش آمال تحسن الاقتصاد

في ظل رياح التحديات الاقتصادية التي هبَّت على المنطقة، تبرز مصر كلاعب رئيسى في سباق جذب “الاستثمار الأجنبي المباشر”، محاولةً نسج خريطة استثمارية جديدة بُناءً على إمكانياتها الواعدة، لكن السؤال الذي يطفو على السطح: هل تمتلك مصر بالفعل مقومات التحوُّل إلى قِبلةٍ عالمية للاستثمارات؟، أم أن الارتفاع القياسي الأخير -الذي حققته بفضل صفقة “رأس الحكمة” مجرد ومضة عابرة في تاريخها الاقتصادي؟.
كشفت بيانات البنك المركزي عن صعودٍ صاروخي لصافي الاستثمار الأجنبي المباشر إلى 46.1 مليار دولار خلال العام المالي 2023/2024، بفضل صفقة القرن، إن جاز التعبير (رأس الحكمة) بقيمة 35 مليار دولار، بالإضافة إلى 11.1 مليار دولار من استثمارات متنوعة، هذه القفزة – التي قفزت بمعدلات نمو الاستثمار الأجنبي المباشر بنسبة 361% مقارنة بالعام السابق – تُعيد إشعال الجدل حول قدرة الاقتصاد المصري على الحفاظ على هذا الزخم، خاصةً مع سعي الحكومة لجذب 30 مليار دولار إضافية خلال العام الجاري.
يرى مصطفى الشنيطي، المدير التنفيذي لشركة “زيلا كابيتال”، أن مصر على اعتاب تحول كبير مع توقع هدوء العاصفة الجيوسياسية العالمية، متوقعا أن تشهد الأشهر القادمة انتعاشا “ملحوظا” في تدفقات الاستثمار الاجنبي، خاصة في القطاعات الإنتاجية مثل؛ الصناعات البديلة للواردات، والدواء، والسياحة.
اقرأ أيضا: مسح لـ«البورصة»: انقسام حول مستقبل البورصة المصرية مدفوع بالفائدة وتنامى «عدم اليقين»
ووفقاً لبيانات المركزي المصري، سجل صافي تدفقات الاستثمارات المباشرة لمصر بالقطاع الصناعي 2.5 مليار دولار خلال العام المالي الماضي، في حين بلغت استثمارات القطاع الزراعي نحو 90.3 مليون دولار.
وجذبت مصر استثمارات في القطاع الخدمي بنحو 6.9 مليار دولار خلال العام المالي الماضي، بحسب البيانات الرسمية، وأضاف أن إعادة الإعمار في عدة دول في المنطقة مثل سوريا وليبيا وغزة، سيدعم بدوره جذب الاستثمارات إلى قطاع مواد البناء.
وتوقع تقرير حديث لوكالة التصنيف الائتماني “فيتش”، أن تستفيد مصر من تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر خلال 2025 مع تراجع ضغوط التمويل الخارجي، وفق تقرير حديث لوكالة التصنيف الائتماني “فيتش”.
أبوالسعد: طاقة مصر.. المغناطيس الخفي
بينما يشير أحمد أبوالسعد، العضو المنتدب لشركة أزيموت مصر والشرق الأوسط لإدارة الأصول، إلى أن قطاع الطاقة سيظل “نجم الصدارة” في جذب الاستثمارات.
لكنه حذر من الإفراط في التعويل على استقرار سعر الصرف، قائلاً: “سعر الصرف وحده.. لا يكفي!”. “التوترات السياسية تشكل سحابة سوداء فوق الأفق”.
متولي: الاستثمارات لعبة الشطرنج الجيوسياسية
بدوره، يؤكد علي متولي، محلل الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في إحدى شركات الاستشارات في لندن، على أن مصر تمتلك أوراق لعب رابحة، وقال لـ “البورصة”: “قناة السويس، والغاز الطبيعي، والسياحة المتنوعة.. جميعها تمنح لمصر التنوع اللازم للعبور من الأزمات”.
أن يساهم الاستثمار الأجنبي المباشر في تغطية الاحتياجات التمويلية الخارجية، لأنه يوجد توقعات بأن تمويل الديون الخارجية سيكون مدعوماً من استثمارات أجنبية من خلال صفقات استراتيجية، مما يعني استفادة الاقتصاد المصري من تدفق استثمارات جديدة تدعم عملية التحول الاقتصادي وتخفف من الضغط على الحساب الجاري.
وأوضح أن الاستثمار الأجنبي المباشر يلعب دورا مهما في تحفيز النمو وتحديث البنية التحتية للقطاع الخاص، ومصر لديها مزايا تنافسية في عدة قطاعات مثل الصناعات التحويلية المُوجهة للتصدير بسبب انخفاض الأجور، وحجم السوق الكبير، وقطاع السياحة.
وعلى الرغم من التقلبات الجيوسياسية أثبتت السياحة قدرتها على التكيف واستمرار تدفق الإيرادات، بالإضافة إلى قطاع الطاقة والبنية التحتية مع إمكانية تطوير المشاريع في مجالات الغاز الطبيعي والطاقة المتجددة وتحسين الخدمات اللوجستية المرتبطة بممر قناة السويس، فضلاً عن مشاريع الخصخصة التي تتيح فرص للاستثمارات في قطاعات كانت مملوكة للدولة.
وأكد على أن تحسين بيئة الأعمال وإطلاق مشاريع استراتيجية سيعمل على فتح آفاق جديدة لجذب الاستثمارات الأجنبية مما سيدعم وجود نمو في الاستثمارات مقارنة بالعام الماضي إذا تم استثناء صفقة رأس الحكمة.
وتوقع متولي بأن يتداول الجنيه المصري عند مستويات الـ 49-52 جنيها خلال العام الحالي، وأن الاستقرار النسبي في سعر الصرف سيوفر بيئة أكثر استقراراً للمستثمرين لأن المخاطرة ستكون أقل مع تقلبات العملة، ولكنه لن يكون مضمون بشكل مطلق ويعتمد على تخفيف التوترات الجيوسياسية وتحسن الأوضاع الاقتصادية والذي بدوره سيكون له تأثير إيجابي في جذب المستثمرين الأجانب وتشجيعهم على دخول السوق المصري.
وتابع أنه بشكل عام تمتلك مصر إمكانيات كبيرة في جذب الاستثمارات الأجنبية لدعم تحول اقتصادها، لكن نجاح هذا سيعتمد بشكل كبير على تحقيق الاستقرار الاقتصادي والسياسي وتحسين بيئة الأعمال لمزيد من الثقة لدى المستثمرين.
عبدالنبي: الاستقرار.. الحلقة المفقودة
وفيما يوافقه الرأي أحمد عبد النبي، رئيس قسم البحوث بشركة مباشر لتداول الأوراق المالية، إلا أنه حذر من أن الاستثمارات لن تزدهر دون، هدوء التوترات الجيوسياسية في المنطقة، مع تبني سياسات اقتصادية طويلة المدى، مشيرا إلى أن الاستقرار النقدي مجرد “خطوة أولى” في رحلة الألف ميل.
وبالتأكيد فإن النجاح لن يكون خيارا سهلا، لكن المؤشرات تلمح إلى أن مصر بدأت تعيد ترتيب أوراقها بذكاء، فهل تنجح في تحويل التحديات إلى سلم تصعد عليه نحو مستقبل اقتصادي أكثر إشراقا؟… الإجابة ربما تكمن في الأشهر القليلة المقبلة!