ترامب يمنح “بي واي دي” الأفضلية على “تسلا”

كانت أحدث جولة من الرسوم الجمركية التي فرضها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، تبدو وكأنها انتصار لشركة “تسلا”.
فبفضل الحماية المتزايدة، كان من المفترض أن تسهم هذه الرسوم في تقوية موقف شركة السيارات الكهربائية الأمريكية مع تسارع منافساتها الصينية، خصوصًا “بي واي دي”.
لكن بدلًا من احتواء المنافسة، قد تكون الرسوم قد منحت “بي واي دي” الأفضلية التي تحتاجها لتجاوز “تسلا”، حسبما ذكرته صحيفة “فاينانشيال تايمز” البريطانية.
ففي حين كان إيلون ماسك مشغولًا بالمناورات السياسية في الولايات المتحدة، كان فريق “بي واي دي” في شنتشن يعمل بهدوء على تسجيل مبيعاته العالمية في الربع الأول من العام الحالي، إذ تجاوزت مبيعات السيارات الكهربائية لـ “بي واي دي” نظيراتها في “تسلا” للشهر الثاني على التوالي، لتبيع أكثر من 416,000 سيارة مقابل 336,681 سيارة لـ “تسلا”.
لسنوات، كان المتشككون يعتبرون صعود “بي واي دي” مجرد ظرف مؤقت، تحت بند أنها علامة تجارية منخفضة التكلفة محصورة في الصين وغير قادرة على تهديد طويل الأمد.
وعندما تجاوزت “بي واي دي”، منافستها “تسلا” عام 2023، أرجع البعض ذلك إلى السيارات الهجينة الموصولة بالكهرباء التي أثرت على الأرقام.
“إيلون ماسك” عنوان صحفي دائمًا بينما “وانج تشوانفو” عالِم كيمياء قليل الظهور
وعندما فاق نمو العلامة الصينية نمو السوق العالمي للسيارات الكهربائية، اعتبرت ميزة “الأرض المحلية” عاملًا رئيسيًا.
حتى مع توسعها في الأسواق العالمية، كان غيابها عن السوق الأمريكي، نتيجة للرسوم الجمركية العالية المفروضة على السيارات المصنعة في الصين خلال ولاية ترامب الأولى، يُرى على أنه ضعف حاسم، لكن هذا الغياب تحول إلى ميزة استراتيجية.
فرغم عدم بيع “بي واي دي” للسيارات الكهربائية في الولايات المتحدة، فهي الآن محصنة ضد الفوضى التي أحدثتها الرسوم الجمركية الأخيرة لترامب.
لا توجد لديها مصانع أو وكلاء أو حصة سوقية للدفاع عنها في السوق الأمريكي، وبالتالي لا تتعرض لعدم اليقين التنظيمي أو الرسوم الانتقامية أو الاضطرابات السياسية التي يجب على شركات السيارات الأمريكية التعامل معها.
لقد أصبحت عزلتها الجيوسياسية رفاهية نادرة في صناعة تشكلها الرياح السياسية المتقلبة.
الأهم من ذلك أن سنوات من الحظر الأمريكي، أجبرت “بي واي دي” على تحويل تركيزها نحو أسواق أخرى كبرى.
وقد أصبحت تلك البداية المبكرة في الأسواق الأقل تأثرًا بالعوائق السياسية، مثل أوروبا وأمريكا اللاتينية وجنوب شرق آسيا، ميزة حاسمة.
عام 2024، صدرت “بي واي دي” أكثر من 417 ألف سيارة، ومن المتوقع أن تضاعف هذا العدد العام الحالي.
في المقابل، أصبحت “تسلا” الآن معرضة لعدة مخاطر. فباعتبارها علامة تجارية أمريكية بارزة، تقف مباشرة في مواجهة ردود الفعل الصينية المحتملة.
وبينما يوفر مصنع “تسلا” في شنغهاي القدرة على الإنتاج المحلي، فإن اعتماد “تسلا” الكبير على الصين – ثاني أكبر أسواقها – يحمل مخاطر كبيرة.
الشركات الأمريكية تجد نفسها محاصرة في تعقيدات تنظيمية وآثار استراتيجية
لطالما شكلت القومية الوطنية سلوك المستهلكين الصينيين، مما يؤدي إلى مقاطعات قد تكون سريعة ومدمرة.
هذه الآثار بدأت تظهر بالفعل، إذ تراجعت مبيعات “تسلا” للسيارات المصنعة في الصين بنسبة 11.5% في مارس، في حين ارتفعت مبيعات “بي واي دي” بنفس النسبة.
أما أوروبا، التي كانت في يوم من الأيام ملاذًا لشركة “تسلا”، فقد بدأت تتغير أيضًا.
فإذا قرر الاتحاد الأوروبي الرد على الحماية الأمريكية برسوم على السيارات الأمريكية وقطع غيار السيارات، فقد تجد “تسلا” نفسها عالقة في المنتصف.
والعديد من طرازاتها الراقية لاتزال تُنتج في الولايات المتحدة، بما في ذلك طراز “إكس” الذي يُجمع مع حوالي 60% من المكونات الأمريكية.
وانخفضت مبيعات “تسلا” في أوروبا بشكل كبير خلال الربع الأول، إذ سجلت دول منها فرنسا والسويد تراجعًا يزيد عن 40%.
في الوقت نفسه، توسعت مبيعات “بي واي دي” في المنطقة، ونمت في المملكة المتحدة أكثر من سبعة أضعاف، مدفوعةً بالطلب على طرازات مثل “سيل” وهي سيارة كهربائية صالحة للسير بسعر نحو 46,000 جنيه إسترليني.
وتشير الأرقام إلى تحول أوسع.
فقد انخفض هامش الربح الإجمالي لشركة “تسلا” إلى 13.6% في الربع الرابع من العام الماضي، وهو أقل من نصف ذروته في 2022، بينما سجلت “بي واي دي” هامشًا قدره 22.3%.
ولاتزال “تسلا” العلامة التجارية الأكثر شهرة في مجال السيارات الكهربائية، ولكن على مستوى مقاييس الأعمال الأساسية مثل المبيعات، وهوامش الأرباح والنمو، تقدمت “بي واي دي” عليها.
وربما الأكثر إزعاجًا لـ “تسلا” هو أن “بي واي دي” أصبحت تحقق مصداقية أكبر على المسرح العالمي.
تُعزى هذه المصداقية جزئيًا إلى التباين بين قيادتي الشركتين.
فإيلون ماسك هو عنوان صحفي دائمًا، بينما يُعتبر وانج تشوانفو، مؤسس “بي واي دي”، عالِم كيمياء تحول إلى مهندس، قليل الظهور، وفي عصر يُستقطب فيه الانتباه، أصبح تحفُّظه ميزة استراتيجية أخرى لصالح “بي واي دي”.
لكن كل هذا يتجاوز مجرد منافسة بين شركتين، بل إنها مثال واضح على العواقب غير المقصودة للقومية بأسلوب ترامب.
ففي ظل تحول الرسوم الجمركية المتطرفة إلى ركيزة أساسية في الاستراتيجية الاقتصادية الأمريكية، يتشكل نمط واضح، ألا وهو الشركات الأمريكية تجد نفسها محاصرة في تعقيدات تنظيمية وآثار استراتيجية، بينما تتقدم منافساتها الأجنبية عبر الفجوات التي أنشأتها تلك الاستراتيجية.
كانت رسوم ترامب الجمركية تهدف إلى حماية النفوذ الأمريكي، لكن في سعيها لفرض منطقها الاقتصادي على العالم، قد تعلم الولايات المتحدة الآخرين كيف يقودون دون الحاجة إليها.